الأحد، ٩ ديسمبر ٢٠٠٧

هل صحيح أمريكا لها سجون سرية ؟؟

أمريكا.. تنتقل من فضيحة إلى أخرى ومن مأزق إلى آخر..هذا هو حال الإدارة الأمريكية اليوم التي لم تلبث أن تخرج من مأزق (الديلي ميرور) وقصة قصف قناة الجزيرة حتى غرقت في قضية شراء ذمم الصحف العراقية ورشوتها .. واليوم يتابع العالم بأكمله تخبطها في فضيحة السجون السرية! (الواشنطن بوست) الأمريكية واحدة من الصحف التي ألقت الضوء بكثير من التفصيل على قصة السجون والمعتقلات الأمريكية التابعة لـ"السي آي إيه" في عدد من الدول الأوروبية. وطبقا لما يذكره مسئولون أميركيون مطلعون على الشؤون الاستخبارية للصحيفة، فإن وكالة المخابرات المركزية الأميركية تحتفظ رهن الاعتقال والتحقيق ببعض أعضاء تنظيم القاعدة في مجمع يعود للحقبة السوفيتية في أوروبا الشرقية. والمرفق السري المذكور هو جزء من نظام سجون سري كانت السي. اي. ايه أقامته قبل أربع سنوات، وضم في فترات متفاوتة مواقع في ثماني دول، بما فيها كل من تايلند وأفغانستان وعدة "ديمقراطيات" في أوروبا الشرقية. وعلى ما يبدو، فإن طريقة عمل (السي آي ايه) الحديثة في حربها ضد "الإرهاب" تعتمد على تكوين شبكة اعتقال عالمية لمحاصرة أعضاء تنظيم القاعدة في أي مكان قد يتواجدون فيه، وهي طريقة حرب غير تقليدية تقوم بالأساس على توزيع الجهد فيما بين أجهزة الاستخبارات في الدول الأوروبية. المثير في موضوع المعتقلات السرية هذه أنها شديدة السرية إلى درجة اقتصار العارفين بها الإدارة الأمريكية على عدد محدود جدا، وكذلك الحال في البلاد التي تضم هذه السجون, ولعل واشنطن استفادت من درس ابو غريب فأرادت أن تقوم بعملها بعيدا عن الأعين. الأخطر من ذلك أن أحدا لا يعلم ما يجري في أقبية هذه السجون، فقد أقنعت وكالة المخابرات المركزية الأميركية وتحت ذريعة المخاوف الأمنية القومية، الكونغرس بعدم مطالبة الوكالة بالإجابة عن أي أسئلة تتعلق بالظروف التي يتم فيها الاحتفاظ بالمعتقلين. وبالتالي ليس هناك أي معلومة تشير من قريب أو من بعيد إلى حقيقة أوضاع القابعين رهن الاحتجاز والاعتقال في هذه السجون، وما هي طرق الاستجواب التي تستخدم معهم أو ما هي مدة احتجازهم أو جنسياتهم وانتماءاتهم. وثمة تخوف حقيقي اليوم في الولايات المتحدة من طريقة عمل (السي آي ايه) المبهمة والسرية، لدى صانعي القوانين ومجموعات حقوق الإنسان، والخوف الأكبر من الحظوة التي يتمتع بها هذا الجهاز، الذي بات فوق القانون وفوق المسائلة. فقبل شهر تحديدا طلب نائب الرئيس ديك تشيني ومدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية "بورتر جيه غروس" من الكونغرس استثناء موظفي (السي. اي. ايه) من التشريع، الذي صادق عليه تسعون من أعضاء مجلس الشيوخ، والذي يحظر معاملة أي سجين يكون قيد الاحتجاز الأميركي معاملة وحشية ومذلة، وفي هذا إشارة واضحة لنوايا الأمريكيين بخصوص المعتقلين في هذه السجون السرية. عموما، فإن نظام الاعتقال السري اعتمد في الولايات المتحدة بعيد هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001، ومنذ ذلك الحين تحول دور السي أي ايه من التجسس إلى الاعتقال والتعذيب والممارسات البشعة بحجة مكافحة الإرهاب. ورغم أن هذه القرارات تأتي بتفويض شخصي من الرئيس الأمريكي جورج بوش، إلا أن البعض يحاول تصوير الأمر وكأنه سياسة داخلية أمنية وبموجب القانون الأميركي، فإن الرئيس فقط هو الذي يسمح له بمنح إذن بالقيام بعمل سري من خلال التوقيع على وثيقة تدعى "التخويل الرئاسي". القضية الأخرى الملفتة في هذا الموضوع هو سلب إرادة بعض الدول الأوروبية وفرض هذه الممارسات عليها، والمعلوم أن الدول الأوروبية وقعت على ميثاق الأمم المتحدة ضد التعذيب، لكنها اليوم متهمة بإيواء هذه السجون السرية، وثمة أكثر من سبعين معتقلا سريا تدار من قبل الدول المضيفة ..فأي "ديمقراطيات" هذه. تاريخ واشنطن مع التعذيب والمعتقلات بحجة محاربة الإرهاب مليء بالقصص التي يندى لها الجبين، فبعد الحرب على أفغانستان وجدت وكالة المخابرات المركزية الأميركية أمامها مئات من السجناء الذين اعتقلوا في ميادين المعارك في أفغانستان، فاضطرت إلى ارتجال حل قصير الأمد، ووضعت السجناء في حاويات سفن معدنية بعد ذلك وردت تقارير مروعة في شتاء عام 2001 مؤداها أن السجناء الذين وضعتهم قوات التحالف الشمالي في حاويات شحن قد ماتوا اختناقا! وليس ببعيد .. كان أضخم سجن تابع لـ(اسي اي ايه) في أفغانستان يسمى رمزياً باسم (سولت بت) "حفرة الملح"، ووضع أولا في مصنع قديم للطوب في منطقة تقع خارج كابول. وفي نوفمبر 2002 أمر ضابط في السي اي ايه بنزع ملابس أحد المعتقلين وربطه على أرض إسمنتية وتركه هناك بلا غطاء، وقد تجمد السجين حتى الموت! السجون السرية قد تكون المسمار الأخير في نعش بوش وإدارته وفريقه بعد أن توالت الفضائح، ومن شأن هذه الفضيحة الأخيرة أن تكون مبررا ودافعا لمزيد من الهجمات ضد الولايات المتحدة وضد مصالحها في المنطقة وحتى ضد الدول المتهمة باستضافة المعتقلات السرية. وتبدو واشنطن مناقضة لنفسها حينما تطلق حملات لتغيير صورتها في المنطقة بقيادة "كارين هيوز" التي تبشر بالديمقراطية الأمريكية، بينما يتعرض المسلمون لأقسى أنواع التعذيب الممنهج في سجونها السرية ...فهل من فضيحة أمريكية جديدة؟!

ليست هناك تعليقات: